الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
حدّثنا الإمام أبو منصور محمّد بن عبد الله الجمشاذي لفظًا. أخبرنا أبو عمرو محمد بن محمّد بن أحمد القاضي. أخبرنا أبو عبد الرحمن. أخبرنا ابن أبي الربيع. أخبرنا عبد الرزاق. أخبرنا معمر. عن قتادة في قوله تعالى: {فاصبر كَمَا صَبَرَ أُولواْ العزم مِنَ الرسل}. قال: نوح. وإبراهيم. وموسى. وعيسى (عليهم السلام).أخبرنا أبو منصور الجمشاذي. أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن يوسف الدقّاق. أخبرنا الحسن ابن محمّد بن جابر. حدّثنا عبد الله بن هاشم. حدّثنا وكيع. عن أبي جعفر الرازي. عن الربيع ابن أنس. عن أبي العالية في قوله: {فاصبر كَمَا صَبَرَ أُولواْ العزم مِنَ الرسل}. قال: كانوا ثلاثة: نوح. وإبراهيم. وهود. ومحمّد رابعهم. أُمر أن يصبر كما صبروا.أخبرني أبو عبد الله بن منجويه. حدّثنا محمّد بن عبد الله بن برزة. حدّثنا الحارث بن أبي أُسامة. حدّثنا داود بن المخبر. حدّثنا سليمان بن الحكم. عن الأحوص بن حكيم بن كعب الحبر. قال: في جنّة عدن مدينة من لؤلؤ بيضاء. تكلّ عنها الأبصار. لم يرها نبي مرسل ولا ملك مُقرَّب. أعدّها الله سبحانه وتعالى لأولي العزم من الرُّسل والشهداء والمجاهدين. لأنهم فضّلوا الناس عقلًا وحلمًا وإنابة و لبًّا.{ولاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} العذاب.{لَهُمْ} فإنّه نازل بهم لا محالة.{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ} من العذاب في الآخرة {لَمْ يلبثوا} في الدُّنيا {إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ} يعني في جنب يوم القيامة. وقيل: لأنه ينسيهم هول ما عاينوا قدر مكثهم في الدُّنيا. ثمّ قال: {بَلاَغٌ} أي هذا القرآن وما ذكر فيه من البيان بلاغ بلغكم محمّد صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى. دليله ونظيره في سورة إبراهيم.(عليه السلام) {فَهَلْ يُهْلَكُ} بالعذاب إذا نزل {إِلاَّ القوم الفاسقون} الخارجون عن أمر الله تعالى.أخبرنا الحسين بن محمّد الحديثي. حدّثنا سعد بن محمّد بن إسحاق الصيرفي. حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي شنبه. حدّثنا منجاب بن الحارث. حدّثنا علي بن مهير. حدّثنا ابن أبي ليلى. عن الحكيم عن سعيد بن جبير. عن ابن عبّاس. قال: إذا عسر على المرأة و لدها. فلتكتب هاتين الآيتين والكلمتين في صحيفة. ثمّ تُغسّل. ثمّ تسقى منها: بسم الله الرّحمن الرّحيم لا إله إلاّ الله الحليم الكريم سبحان الله {مَن رَّبُّ السماوات السبع وَرَبُّ العرش العظيم} [المؤمنون: 86].{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يلبثوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الفاسقون}. اهـ.
.قال الزمخشري: .[سورة الأحقاف: آية 21]. {وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ}.{الأحقاف}: جمع حقف وهو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء. من احقوقف الشيء إذا اعوج. وكانت عاد أصحاب عمد يسكنون بين رمال مشرفين على البحر بأرض يقال لها الشحر من بلاد اليمن. وقيل: بين عمان ومهرة. و{النُّذُرُ} جمع نذير بمعنى المنذر أو الإنذار {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ} من قبله {وَمِنْ خَلْفِهِ} ومن بعده. وقرئ: {من بين يديه ومن بعده}. والمعنى: أنّ هودا عليه السلام قد أنذرهم فقال لهم: لا تعبدوا إلا اللّه إنى أخاف عليكم العذاب. وأعلمهم أنّ الرسل الذين بعثوا قبله والذين سيبعثون بعده كلهم منذرون نحو إنذاره. وعن ابن عباس رضى اللّه عنه: يعنى الرسل الذين بعثوا قبله والذين بعثوا في زمانه. ومعنى {وَمِنْ خَلْفِهِ} على هذا التفسير ومن بعد إنذاره. هذا إذا علقت. {وقد خلت النذر} بقوله: {أنذر قومه}. و لك أن تجعل قوله تعالى: {وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} اعتراضا بين {أنذر قومه} وبين {أَلَّا تَعْبُدُوا} ويكون المعنى: واذكر إنذار هود قومه عاقبة الشرك والعذاب العظيم وقد أنذر من تقدمه من الرسل ومن تأخر عنه مثل ذلك. فاذكرهم..[سورة الأحقاف: آية 22]. {قالوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ الِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22)}.الإفك: الصرف. يقال أفكه عن رأيه {عَنْ الِهَتِنا} عن عبادتها {بِما تَعِدُنا} من معاجلة العذاب على الشرك {إِنْ كُنْتَ} صادقا في وعدك..[سورة الأحقاف: آية 23]. {قال إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ ولكني أَراكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23)}.فإن قلت: من أين طابق قوله تعالى: {إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ جوابا لقولهم فَأْتِنا بِما تَعِدُنا}؟قلت: من حيث إنّ قولهم هذا استعجال منهم بالعذاب. ألا ترى إلى قوله تعالى: {بَلْ هو ما اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ} فقال لهم: لا علم عندي بالوقت الذي يكون فيه تعذيبكم حكمة وصوابا. إنما علم ذلك عند اللّه. فكيف أدعوه بأن يأتيكم بعذابه في وقت عاجل تقترحونه أنتم؟ ومعنى: {وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ} وقرئ بالتخفيف: أن الذي هو شأنى وشرطي: أن أبلغكم ما أرسلت به من الإنذار والتخويف والصرف عما يعرّضكم لسخط اللّه بجهدي. ولكنكم جاهلون لا تعلمون أنّ الرسل لم يبعثوا إلا منذرين لا مقترحين. ولا سائلين غير ما أذن لهم فيه..[سورة الأحقاف: الآيات 24- 25]. {فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هو ما اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25)}.{فَلَمَّا رَأَوْهُ} في الضمير وجهان: أن يرجع إلى ما تعدنا. وأن يكون مبهما قد وضح أمره بقوله: {عارِضًا} إما تمييزا وإما حالا. وهذا الوجه أعرب وأفصح. والعارض: السحاب الذي يعرض في أفق السماء. ومثله: الحبى والعنان. من حبا وعنّ: إذا عرض. وإضافة مستقبل وممطر مجازية غير معرفة بدليل وقوعهما وهما مضافان إلى معرفتين وصفا للنكرة بَلْ هو القول قبله مضمر. والقائل: هود عليه السلام. والدليل عليه قراءة من قرأ: قال هود. بل هو. وقرئ: {قل بل ما استعجلتم به هي ريح}. أي قال اللّه تعالى: قل {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} تهلك من نفوس عاد وأموالهم الجم الكثير. فعبر عن الكثرة بالكلية. وقرئ {يدمر} كل شيء من دمر دمارا إذا هلك لا تَرى الخطاب للرائى من كان. وقرئ: {لا يرى}. على البناء للمفعول بالياء والتاء. وتأويل القراءة بالتاء وهي عن الحسن رضى اللّه عنه: لا ترى بقايا ولا أشيئاء منهم إلا مساكنهم. ومنه بيت ذى الرمّة:وليست بالقوية. وقرئ: {لا ترى إلا مسكنهم}. و{لا يرى إلا مسكنهم}. وروى أنّ الريح كانت تحمل الفسطاط والظعينة فترفعها في الجو حتى ترى كأنها جرادة. وقيل: أول من أبصر العذاب امرأة منهم قالت: رأيت ريحا فيها كشهب النار. وروى: أول ما عرفوا به أنه عذاب: أنهم رأوا ما كان في الصحراء من رحالهم ومواشيهم تطير به الريح السماء والأرض. فدخلوا بيوتهم وغلقوا أبوابهم. فقلعت الريح الأبواب وصرعتهم. وأما اللّه عليهم الأحقاف فكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام لهم أنين. ثم كشفت الريح عنهم. فاحتملتهم فطرحتهم في البحر. وروى أنّ هودا لما أحس بالريح خط على نفسه وعلى المؤمنين خطا إلى جنب عين تنبع. وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما: اعتزل هود ومن معه في حظيرة ما يصيبهم من الريح إلا مايلين على الجلود وتلذه الأنفس. وإنها لتمر من عاد بالظعن بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا رأى الريح فزع وقال: «اللهم إنى أسألك خيرها وخير ما أرسلت به. وأعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت به». وإذا رأى مخيلة: قام وقعد. وجاء وذهب. وتغير لونه. فيقال له: يا رسول اللّه ما تخاف؟ فيقول: «إنى أخاف أن يكون مثل قوم عاد حيث قالوا: {هذا عارض ممطرنا}». فإن قلت: ما فائدة إضافة الرب إلى الريح؟ قلت: الدلالة على أن الريح وتصريف أعنتها مما يشهد لعظم قدرته. لأنها من أعاجيب خلقه وأكابر جنوده. وذكر الأمر وكونها مأمورة من جهته عز وجل: يعضد ذلك ويقوّيه. [سورة الأحقاف (46): آية 26].{ولقد مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصارًا وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ ولا أَبْصارُهُمْ ولا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بآيات اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (26)}.{إِنْ} نافية. أي: فيما ما مكنا كم فيه. إلا أنّ إِنْ أحسن في اللفظ. لما فيه مجامعة ما مثلها من التكرير المستبشع. ومثله مجتنب. ألا ترى أن الأصل في (مهما): (ماماز) لبشاعة التكرير: قلبوا الألف هاء. ولقد أغث أبو الطيب في قوله: وما ضره لواقتدى بعذوبة لفظ التنزيل فقال: وهذا التكرار أثقل من تكرار (ما) بلا مراء. وإنما فنده الزمخشري وألزمه استعمال (إن) عوض (ما) لاعتقاده أن البيت كما أنشده: ولوعوض (إن) عوض (ما) كما أصلحه الزمخشري: لزم دخول الباء في خبر (ما) وإنما تدخل الباء في خبر (ما) الحجازية العاملة. و(إن) لا تعمل عمل (ما) على الصحيح. فلا يستقيم دخول الباء في خبرها. فما عدل المتنبي عن ذلك إلا لتعذره عليه من كل وجه. على أنى لا أبرئ المتنبي من التعجرف. فانه كان مغرى به. مغرما بالغريب من النظم. ونقل الزمخشري في الآية وجها آخر: وهو جعلها صلة مثلها في قوله: قال: ويكون معناه على هذا مكناهم في مثل ما مكناكم. إلخ. قلت: واختص بهذه الطائفة قوله تعالى: {وَقالوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَولم يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هو أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وقوله مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ}.وقد جعلت إن صلة. مثلها فيما أنشده الأخفش: وتؤول بإنا مكناهم في مثل ما مكناكم فيه: والوجه هو الأول. ولقد جاء عليه غير آية في القرآن {هُمْ أَحْسَنُ أَثاثًا وَرِءْيًا}. {كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثارًا} وهو أبلغ في التوبيخ. وأدخل في الحث على الاعتبار {مِنْ شَيْءٍ} أي من شيء من الإغناء. وهو القليل منه. فإن قلت بم انتصب {إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ} قلت: بقوله تعالى: {فَما أَغْنى} فإن قلت: لم جرى مجرى التعليل؟ قلت: لاستواء مؤدى التعليل والظرف في قولك: ضربته لإساءته وضربته إذا أساء. لأنك إذا ضربته في وقت إساءته. فإنما ضربته فيه لوجود إساءته فيه. إلا أن إذ. وحيث. غلبتا دون سائر الظروف في ذلك. .[سورة الأحقاف: آية 27]. {ولقد أَهْلَكْنا ما حولكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الآيات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27)}.{ما حولكُمْ} يا أهل مكة {مِنَ الْقُرى} من نحو حجر ثمود وقرية سدوم وغيرهما. والمراد:أهل القرى. و لذلك قال: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}..[سورة الأحقاف: آية 28]. {فَلولا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبانًا الِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (28)}.القربان: ما تقرب به إلى اللّه تعالى. أي: اتخذوهم شفعاء متقربا بهم إلى اللّه. حيث قالوا: {هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه}. وأحد مفعولي اتخذ الراجع إلى الذين المحذوف. والثاني:{الهة}. و{قربانا}: حال ولا يصح أن يكون {قربانا} مفعولا ثانيا و{الهة} بدلا منه لفساد المعنى. وقرئ {قربانا} بضم الراء. والمعنى: فهلا منعهم من الهلاك الهتهم {بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ} أي غابوا عن نصرتهم {وَذلِكَ} إشارة إلى امتناع نصرة الهتهم لهم وضلالهم عنهم. أي: وذلك أثر إفكهم الذي هو اتخاذهم إياها الهة. وثمرة شركهم وافترائهم على اللّه الكذب من كونه ذا شركاء. وقرئ: {إفكهم}: والأفك والإفك: كالحذر والحذر. وقرئ: {وذلك إفكهم}. أي: وذلك الاتخاذ الذي هذا أثره وثمرته صرفهم عن الحق. وقرئ: {أفكهم} على التشديد للمبالغة. و{افكهم}: جعلهم افكين. و{افكهم} أي: قولهم الافك ذوالإفك. كما تقول قول كاذب. وذلك إفك مما كانوا يفترون. أي: بعض ما كانوا يفترون من الإفك..[سورة الأحقاف: الآيات 29- 32]. {وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ القرآن فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ ولوا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قالوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمنوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وليس لَهُ مِنْ دُونِهِ أولياءُ أولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (32)}.{صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَرًا} أملناهم إليك وأقبلنا بهم نحوك. وقرئ: {صرفنا} بالتشديد. لأنهم جماعة. والنفر: دون العشرة. ويجمع أنفارا. وفي حديث أبى ذر رضى اللّه عنه: لوكان هاهنا أحد من أنفارنا {فَلَمَّا حَضَرُوهُ} الضمير للقرآن. أي: فلما كان بمسمع منهم. أو لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم. وتعضده قراءة من قرأ{فَلَمَّا قُضِيَ} أي أتمّ قراءته وفرع منها قالوا قال بعضهم لبعض {أَنْصِتُوا} اسكتوا مستمعين. يقال: أنصت لكذا واستنصت له. روى أنّ الجنّ كانت تسترق السمع. فلما حرست السماء ورجموا بالشهب قالوا: ما هذا إلا لنبإ حدث. فنهض سبعة نفر أوتسعة من أشراف جنّ نصيبين أونينوى: منهم زوبعة. فضربوا حتى بلغوا تهامة. ثم اندفعوا إلى وادى نخلة. فوافقوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو قائم في جوف الليل يصلى أو في صلاة الفجر. فاستمعوا لقراءته. وذلك عند منصرفه من الطائف حين خرج إليهم يستنصرهم فلم يجيبوه إلى طلبته وأغروا به سفهاء ثقيف. وعن سعيد بن جبير رضى اللّه عنه: ما قرأ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم. وإنما كان يتلوفي صلاته فمروا به فوقفوا مستمعين وهولا يشعر. فأنبأه اللّه باستماعهم. وقيل: بل أمر اللّه رسوله أن ينذر الجنّ ويقرأ عليهم فصرف إليه نفرا منهم جمعهم له فقال: «إنى أمرت أن أقرأ على الجنّ الليلة فمن يتبعني» قالها ثلاثا. فأطرقوا إلا عبد اللّه بن مسعود رضى اللّه عنه قال: لم يحضره ليلة الجنّ أحد غيرى. فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة في شعب الحجون فخط لي خطا وقال: «لا تخرج منه حتى أعود إليك». ثم افتتح القرآن وسمعت لغطا شديدا حتى خفت على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. وغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ثم انقطعوا كقطع السحاب فقال لي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «هل رأيت شيئا؟» قلت: نعم رجالا سودا مستثفري ثياب بيض. فقال: «أولئك جنّ نصيبين» وكانوا اثنى عشر ألفا. والسورة التي قرأها عليهم {اقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ}. فإن قلت: كيف قالوا {مِنْ بَعْدِ مُوسى} قلت: عن عطاء رضى اللّه عنه: أنهم كانوا على اليهودية. وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما: إنّ الجنّ لم تكن سمعت بأمر عيسى عليه السلام. فلذلك قالت: {من بعد موسى}. فإن قلت: لم بعّض في قوله: {مِنْ ذُنُوبِكُمْ} قلت: لأن من الذنوب ما لا يغفر بالإيمان كذنوب المظالم ونحوها. ونحوه قوله عزّ وجل: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ}.
|